الحاجة الى حلول سلمية تنهي التوترات الجيوسياسية
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يتبث على مر التجارب أن العواقب الحقيقية له تتجاوز أبعاده السياسية وأن اللجوء الى العنف كوسيلة إما لتحقيق الحقوق أو لانتزاعها لا يجدي نفعا بل يلحق الضرر بالطرفين على حد سواء
لم يكن طوفان الأقصى مجرد جولة جديدة من الصراع ما بين حركة حماس و اسرائيل تنتهي في أيام معدودة بهدنة ينجح الوسطاء في الترتيب بدون عناء كبير في المفاوضات، وإن صح القول فأنه حدث ألقى بثقله على ديناميكيات منطقة الشرق الأوسط، بل تجاوز تأثيره العميق حدود المنطقة عندما امتدت انعكاساته الى الشوارع والميادين الغربية وأحدث حرجا كبيرا لبعض الحكومات كما أثر على الأمن الغدائي العالمي وسلاسل التوريد العالمية مع دخول الحوثيين على خط المواجهة وتنفيذهم لعشرات الهجمات ضد السفن التجارية وتصعيدهم للتوترات في البحر الأحمر وهي استراتيجية تهدف الى توسيع نطاق المواجهة لتظهر إمتداد محور المقاومة وقدرتها على التأثير من على بعد آلاف الكيلومترات.
لاشك أن الحرب المتواصلة في قطاع غزة وفشل التوصل الى تهدئة أو حتى إحتواء الحرب لا يخدم إقتصاد المنطقة ككل، لما لها من تبعات على سلاسل التوريد في منطقة البحر الأحمر وهو ما سيؤدي إلى فرض المزيد من القيود تجارية والتعريفات الجمركية كما أن التوترات الممتدة في البحر الأحمر تجعل الوصول إلى الأسواق أكثر صعوبة وتزيد التكاليف بالنسبة للشركات. وقد تدفع حالة عدم اليقين الناجمة عن الصراعات الجيوسياسية المستثمرين والشركات إلى التصرف بحذر أكبر وحجب الاستثمارات، مما يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي وأداء الأعمال فضلا عن التداعيات الغير المباشرة على الحياة اليومية للمجتمعات وبالأخص على الطبقة الفقيرة والمتوسطة مع ارتفاع أسعار الغداء نتيجة لتعطل سلاسل التوريد .
إقرأ أيضا : عدوانية «بن غفير» المثيرة للجدل
أعاد طوفان الأقصى القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى صدارة الجغرافيا السياسية لكنه في الواقع إرتد إرتدادا عنيفا على سكان قطاع غزة و ألقى بثقله على كاهل مئات الآلاف من الأسر التي تعايش الحرب عن قرب وتسببت القيود المستمرة المفروضة على المساعدات الإنسانية في قطاع غزة وما حوله إلى نقص حاد في الغذاء والوقود والأدوية والمعدات والعاملين في المجال الإنساني في غزة، ولايزال هنالك مئات الآلاف من الأشخاص في شمال قطاع غزة محرومون إلى حد كبير من المساعدات، وبالرغم من دخول كمية كبيرة من المساعدات إلى قطاع غزة لكن هذه المكاسب ضاعت منذ بدء العمليات في مدينة رفح، وهو ما أدى الى إغلاق معبر حدودي كان بمثابة مركز للمساعدات الإنسانية.
تشير التقديرات الى أن تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة بحوالي 80 مليار دولار60 نظرا لحجم الضرر الهائل الذي لحق بالبنية التحتية، حيث تم الإبلاغ عن تضرر 60% من المباني السكنية و80% من المنشآت التجارية. وفيما يتعلق بالأمن الغذائي، من المتوقع أن يواجه ما يزيد عن مليون شخص مستويات كارثية من عدم الأمن الغذائية تبلغ المرحلة الخامسة.
الأثر النفسي للحرب لايقل ضررا عن الأثر المادي قفقدان الأحباب، والخوف على الحياة، والقصف، والفرار، والجوع والعطش: أشياء لا ينبغي أن يتعرض لها أي طفل على الإطلاق، هي واقع يومي للفتيات والفتيان في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، أصبح من الصعب بشكل متزايد على المساعدين العاملين في الموقع تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم. ويظهر ذلك من خلال دراسة استقصائية جديدة أجرتها منظمة إنقاذ الطفولة، شارك فيها الآباء ومقدمو الرعاية والمنظمات الشريكة المحلية بالإضافة إلى الشباب وخبراء الصحة العقلية في المنطقة. لقد انهارت بالكامل الرعاية التي تقدمها المراكز النفسية والاجتماعية العامة الستة ومستشفى الطب النفسي الوحيد في قطاع غزة.
في الجهة المقابلة ونتيجة للصراع المستمر تزداد المخاوف الأمنية لدى المجتمعات الاسرائيلية خاصة في المناطق القريبة لبؤرة الصراع حيث يتواجد عشرات الآلاف من الاسرائيليين تحت تهديد دائم من الهجمات الصاروخية التي تأتي إما من قطاع غزة أو لبنان وهذا يستلزم الاستخدام المتكرر للملاجئ ويعطل الحياة اليومية ويرفع من مستويات الصدمات النفسية نتيجة للتعرض لأصوات القصف.
كما تشير تقديرات الخبير الاقتصادي الإسرائيلي ياكوف شينين أن فاتورة الحرب على اسرائيل قد تبلغ 120 مليار دولارأو 20% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، ومع تزايد العجز، وانخفاض التصنيف الائتماني، وصناعة السياحة التي تعاني من الأزمات، والإنفاق العام المثير للجدل، تواجه إسرائيل العديد من التحديات. وحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طمأنته بالقول إن التأثيرات ستكون مؤقتة. ومع ذلك، أثرت الحرب بشدة على آلاف الشركات الصغيرة وهزت الثقة الدولية في الاقتصاد الذي كان يعتبر ذات يوم نموذجًا لريادة الأعمال.
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يتبث على مر التجارب أن العواقب الحقيقية له تتجاوز أبعاده السياسية وأن اللجوء الى العنف كوسيلة إما لتحقيق الحقوق أو لانتزاعها لا يجدي نفعا بل يلحق الضرر بالطرفين على حد سواء، كما أن إن الإحباط والمعاناة التي يعاني منها الناس على جانبي الصراع دفعت الكثيرين إلى الاعتقاد بأن الإجماع على حل الدولتين هو أمر ضروري، لكن هذا الحل يبدو أبعد من ذي قبل في ظل وجود حكومة اسرائيلية متطرفة ينادي فيها بعض الوزراء بالغاء خطة فك الارتباط و بالعودة الى نشاط الاستيطان في قطاع غزة وأراض في الضفة الغربية وانكار الهوية الفلسطينية وفي ظل وجود حركة فلسطينية ترفض الاعتراف بدولة اسرائيل وتنادي بالقضاء عليها .
على عكس حكومة نتنياهو وقادة حماس تفهم الشعوب بأنها ضحية مسار سياسي فاشل أدى الى تعقيد الصراع ووصوله الى مستويات عالية من العنف المتبادل كما تعي أنها بحاجة إلى مزيد من التعاطف والتفاهم لسد الفجوة التي تحول دون تحقيق حلم الدولتين وهو الحل الوحيد الذي يكفل عدم اشعال الصراع مجددا ولا شك أن فرص اعادة احياء عملية السلام ما يعد طوفان الأقصى ستكون اختبارا حقيقيا لحسن النوايا وللمجتمع الدولي ككل .